قديما كان الفيلسوف أرسطو يؤمن بأن المال إنما هو وسيلة مبادلة و
ليس سبيلا لتحصيل الفوائد. أما أفلاطون فكان يرى في الفوائد استغلالا بينا يمارسه
الأغنياء على الفقراء من أبناء المجتمع.
و قد سادت المعاملات الربوية زمن
الإغريق. و كان من حق الدائن أن يبيع مدينه في سوق العبيد إذا عجز هذا عن سداد
دينه.. و عند الرومان لم يكن الحال مختلفا.. إلا أن الدولة الرومانية تدخلت لتحديد
نسبة الفائدة بما لا يتجاوز 8 1/3 %. ثم خفضت النسبة بعد ذلك إلى 5 % إلى أن حرمت
الفائدة تحريما مطلقا.
و جدير هنا لفت الانتباه إلى أن هذا التحريم لم يكن
خاضعا لتأثيرات دينية حيث أنه حدث قبل مجيء المسيحية بما يزيد عن ثلاثة قرون. علما
بأن الإنجيل قد حرم على أتباعه التعامل بالربا, و هكذا فعلت التوراة من
قبل.
كما أنه لا مجال لربط أمر التحريم بأسباب أخلاقية تتعلق بمسألة استرقاق
المدين.. فلو كان الأمر كذلك لكان من الأولى القضاء على نظام الرق برمته.. بل إن
قانون التحريم الذي صدر في روما حينها لم يشمل مسألة استرقاق المدين. ثم إن للربا
مؤيدوه من أصحاب النفوذ و هم بطبيعتهم ماديون لا يقيمون وزنا لاعتبارات أخرى.. إذا
و الأمر كذلك, ما الذي يدفع روما إلى إصدار مثل ذاك القانون.
حتى يتسن فهم ذلك,
أستأذن القارئ في أن نعبر الزمن في رحلة قصيرة تعود بنا إلى القرن الخامس قبل
الميلاد حيث الدولة اليونانية تعاني من أزمة اجتماعية حادة تهددها بالانهيار. و لكي
نتمكن من تسليط الضوء على الأوضاع السائدة في اليونان آن ذاك, لا مناص من البدء
بالتركيبة الاجتماعية و السياسية للمجتمع اليوناني:
لقد كان المجتمع في أثينا,
منذ نشأة نظام الدولة فيها, يتكون من طبقتي العبيد و النبلاء بالإضافة إلى طبقة
ثالثة تضم صغار الملاك و الحرفيين و التجار. و لم يكن النبلاء في حاجة للقيام بأي
نشاط آخر خارج النشاط السياسي و الفكري فهم ملاك أكبر الأراضي الزراعية و أكثرها
خصوبة و لهم عبيدهم الذين يقومون بالأعمال اليدوية نيابة عنهم. أما المزارعين و
الحرفيين فكانوا من البسطاء يعملون من أجل سد حاجاتهم اليومية و يعتمدون في ذلك على
نظام المقايضة بالدرجة الأولى. سوى أن هذا النظام أخذ يتراجع تدريجيا مع انتشار
الوحدات النقدية و تطور وسائل التجارة.
و كنتيجة لهذا التطور الاقتصادي
لسكان المدينة برزت من داخل طبقة التجار فئة جديدة من الأثرياء لا يملكون الأرض و
لا المكانة الاجتماعية و لكنهم يملكون الثروة النقدية. و لأن النقود صارت هي
المقياس الجديد للثراء فإن النبلاء وجدوا أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه.. فهم بخلاف
الأثرياء الجدد يملكون الأرض و المكانة الاجتماعية و لا يملكون المال. يضاف إلى
هؤلاء أغلبية ساحقة من الفقراء لا تملك لا هذا و لا ذاك.
و أمام إلحاح
الحاجة كانت القروض سبيلا سهلا للوصول إلى المال.. مما أغرى الأثرياء الجدد فلجؤا
إلى الربا طمعا في المزيد من الثراء. و قد أقبل النبلاء على الاستدانة غالبا من أجل
تغطية نفقاتهم المتزايدة.. كان ذلك قبل أن يكتشف العديد منهم أنهم في ورطة لأنهم
عاجزين عن سداد ديونهم المتراكمة.. الشيء الذي أفقدهم هيبتهم.
هذا من ناحية,
و من ناحية أخرى فإن تراكم الثروة الجديدة أحدث تناقضا بين أصحاب هذه الثروة و بين
النبلاء مما ساهم في تقويض دعائم المجتمع. و بدأ العبيد يجدون دعما من التجار في
مواجهة أسيادهم. كما أن المجتمع اليوناني صار يعرف ظاهرة جديدة و هي ظاهرة البطالة
بعد أن انضمت أعداد كبيرة من البسطاء و صغار الملاك إلى صفوف العاطلين عن العمل. كل
هذا أدى إلى ثورات و مواجهات لم تنتهي إلا و المجتمع اليوناني مفكك و منهار.. مما
مهد للغزو الروماني.
و يبدو أن روما كانت تراقب ما يحدث في اليونان منذ زمن,
فالرومان الذين بدأت قوتهم في الصعود كانت تراودهم الرغبة في التوسع نحو الشرق على
حساب اليونان و هم يعلمون تمام العلم أن إنهاك المجتمع اليوناني و تفكيكه من الداخل
سوف يسهل عليهم مهمتهم.. و يبدو أنهم تبنوا تلك الإستراتيجية فعلا.
ليس سبيلا لتحصيل الفوائد. أما أفلاطون فكان يرى في الفوائد استغلالا بينا يمارسه
الأغنياء على الفقراء من أبناء المجتمع.
و قد سادت المعاملات الربوية زمن
الإغريق. و كان من حق الدائن أن يبيع مدينه في سوق العبيد إذا عجز هذا عن سداد
دينه.. و عند الرومان لم يكن الحال مختلفا.. إلا أن الدولة الرومانية تدخلت لتحديد
نسبة الفائدة بما لا يتجاوز 8 1/3 %. ثم خفضت النسبة بعد ذلك إلى 5 % إلى أن حرمت
الفائدة تحريما مطلقا.
و جدير هنا لفت الانتباه إلى أن هذا التحريم لم يكن
خاضعا لتأثيرات دينية حيث أنه حدث قبل مجيء المسيحية بما يزيد عن ثلاثة قرون. علما
بأن الإنجيل قد حرم على أتباعه التعامل بالربا, و هكذا فعلت التوراة من
قبل.
كما أنه لا مجال لربط أمر التحريم بأسباب أخلاقية تتعلق بمسألة استرقاق
المدين.. فلو كان الأمر كذلك لكان من الأولى القضاء على نظام الرق برمته.. بل إن
قانون التحريم الذي صدر في روما حينها لم يشمل مسألة استرقاق المدين. ثم إن للربا
مؤيدوه من أصحاب النفوذ و هم بطبيعتهم ماديون لا يقيمون وزنا لاعتبارات أخرى.. إذا
و الأمر كذلك, ما الذي يدفع روما إلى إصدار مثل ذاك القانون.
حتى يتسن فهم ذلك,
أستأذن القارئ في أن نعبر الزمن في رحلة قصيرة تعود بنا إلى القرن الخامس قبل
الميلاد حيث الدولة اليونانية تعاني من أزمة اجتماعية حادة تهددها بالانهيار. و لكي
نتمكن من تسليط الضوء على الأوضاع السائدة في اليونان آن ذاك, لا مناص من البدء
بالتركيبة الاجتماعية و السياسية للمجتمع اليوناني:
لقد كان المجتمع في أثينا,
منذ نشأة نظام الدولة فيها, يتكون من طبقتي العبيد و النبلاء بالإضافة إلى طبقة
ثالثة تضم صغار الملاك و الحرفيين و التجار. و لم يكن النبلاء في حاجة للقيام بأي
نشاط آخر خارج النشاط السياسي و الفكري فهم ملاك أكبر الأراضي الزراعية و أكثرها
خصوبة و لهم عبيدهم الذين يقومون بالأعمال اليدوية نيابة عنهم. أما المزارعين و
الحرفيين فكانوا من البسطاء يعملون من أجل سد حاجاتهم اليومية و يعتمدون في ذلك على
نظام المقايضة بالدرجة الأولى. سوى أن هذا النظام أخذ يتراجع تدريجيا مع انتشار
الوحدات النقدية و تطور وسائل التجارة.
و كنتيجة لهذا التطور الاقتصادي
لسكان المدينة برزت من داخل طبقة التجار فئة جديدة من الأثرياء لا يملكون الأرض و
لا المكانة الاجتماعية و لكنهم يملكون الثروة النقدية. و لأن النقود صارت هي
المقياس الجديد للثراء فإن النبلاء وجدوا أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه.. فهم بخلاف
الأثرياء الجدد يملكون الأرض و المكانة الاجتماعية و لا يملكون المال. يضاف إلى
هؤلاء أغلبية ساحقة من الفقراء لا تملك لا هذا و لا ذاك.
و أمام إلحاح
الحاجة كانت القروض سبيلا سهلا للوصول إلى المال.. مما أغرى الأثرياء الجدد فلجؤا
إلى الربا طمعا في المزيد من الثراء. و قد أقبل النبلاء على الاستدانة غالبا من أجل
تغطية نفقاتهم المتزايدة.. كان ذلك قبل أن يكتشف العديد منهم أنهم في ورطة لأنهم
عاجزين عن سداد ديونهم المتراكمة.. الشيء الذي أفقدهم هيبتهم.
هذا من ناحية,
و من ناحية أخرى فإن تراكم الثروة الجديدة أحدث تناقضا بين أصحاب هذه الثروة و بين
النبلاء مما ساهم في تقويض دعائم المجتمع. و بدأ العبيد يجدون دعما من التجار في
مواجهة أسيادهم. كما أن المجتمع اليوناني صار يعرف ظاهرة جديدة و هي ظاهرة البطالة
بعد أن انضمت أعداد كبيرة من البسطاء و صغار الملاك إلى صفوف العاطلين عن العمل. كل
هذا أدى إلى ثورات و مواجهات لم تنتهي إلا و المجتمع اليوناني مفكك و منهار.. مما
مهد للغزو الروماني.
و يبدو أن روما كانت تراقب ما يحدث في اليونان منذ زمن,
فالرومان الذين بدأت قوتهم في الصعود كانت تراودهم الرغبة في التوسع نحو الشرق على
حساب اليونان و هم يعلمون تمام العلم أن إنهاك المجتمع اليوناني و تفكيكه من الداخل
سوف يسهل عليهم مهمتهم.. و يبدو أنهم تبنوا تلك الإستراتيجية فعلا.