علمتني الحياة !
الشاعر محمد مصطفى حمام واحد من الشخصيات النادرة التى ظهرت فى الساحة الأدبية المصرية فى أوائل القرن الماضى،
فهو من مواليد 18 أغسطس 1906 وتوفى فى 23 مارس 1964،
ولقد كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد يستدنيه من مجلسه ويقول :
هذا كتاب من الشعر والأدب والفكاهة والفن، لا يجد الناس منه إلا نسخة واحدة .
وقد قال عنه العوضى الوكيل: الندوة التى يحضرها حمام يملأ زمنها كله،
ولا يكاد يترك لغيره فرصة للحديث، والناس يعجبون لرجل يروى الأشعار لكل شاعر ومن كل عصر،
والطُرَف والنوادر والفكاهات من كل زمان ومن كل مكان، ويتحدث فى النحو فإذا هو سيد الموقف،
يجلو دقائقه ويحقق حقائقه، وإذا انتقل الحديث إلى القرآن والحديث كان حاضر الجواب جميل الخطاب،
مع أنه لم يدخل الأزهر ولم يختلف إلى مدرسة من مدارس الدين.
فقد بدأ حمام تعليمه فى مدرسة فارسكور الابتدائية،
وتروى ابنته عزيزة أن السلطان حسين كامل قد زار فارسكور وألقى حمام قصيدة ترحيب به أثناء زيارته للمدرسة،
وكان فى ذلك الوقت تلميذا بالصف الثالث الابتدائى، فأهداه ساعة ذهبية فاخرة نُقِشَ عليها الإهداء وتاريخه،
وتولى السلطان حسين كامل الإنفاق عليه فى مراحل التعليم،
واستمر الأمر كذلك فى عهد فؤاد الأول حتى قامت ثورة 1919،
وقد كان الأزهريون يحملون حمام على أيديهم ليهتف لهم، فحرمه السلطان من الرعاية،
لكن حمام قد تمسك بمساندة الثورة وبدأ العمل بالصحافة والأدب وهو فى سن الثالثة عشرة لينفق على نفسه.
وقد حصل حمام فى نهاية المطاف على شهادة البكالوريا،
واستطاع أن يحصل بها على وظيفة وفرت له قدرا يسيرا من الرزق الذى كان راضيا قانعا به على الرغم من بؤسه وشقائه.
ويَرْوِى حمام أنه قد احتاج إلى خمسة جنيهات، فأخذ يطوف بالأصدقاء والأدباء يوما كاملا حتى تمكن من اقتراضها،
وحين مضى بها ذاهبا إلى بيته أمسك بها بين يديه وهو يعبر كوبرى قصر النيل فأطارتها الريح من يده إلى النهر،
ووقف حمام ينظر مبهوتا وحوله طائفة من الناس تتأمل هذا المشهد العجيب.
وقد كان حمام صاحب موهبة شعرية خاصة، ويمكن أن تقول إن شعره كله يدخل فى دائرة الارتجال،
لأن القصيدة الطويلة كانت لا تأخذ كتابتها منه أكثر من ساعة واحدة من الزمن،
ثم تبقى لديه كما هى دون تعديل أو تبديل إلا النزر اليسير النادر.
والإسلاميات لها نصيب كبير من شعر حمام، وسوف نعرض له ثلاثة نماذج شعرية متعلقة بشهر رمضان،
أولها كتبه حمام فى بداية الشهر الكريم مُرَحِّبا به، ومُذَكِّرا بأن رمضان شهر صيام لا شهر طعام، حيث يقول :
أَعْظِم بشهر الصوم من فرحـة…… للصائمين الصادقين الكــرام
الجاعلين الشهر عيدا لهم …………يصفو به الحب ويفنى الخصام
المستحبين وإن أرهقوا………….. إيتاء ذى القربى ورعى الذمام
لا هنأ الله به مفطرا……………….. ولا جزى الآثام إلا الأثـام
ولا أرتضى صوما لذى غفلة…… يجعل شهرَ الجوع شهرَ الطعام
يَفْتَنُّ فى ألوانه ممعنا ………..فى الأكل حتى لا يطيقُ الكلام !
يودُّ لو صارَ الضحى مغربا……… ويكره النورَ ويهوى الظلام !
وقد يُذيبُ اليوم فى غفوة………. ويتوقى الصومَ بطِيبِ المنام
أما قصيدته الثانية فقد كتبها حمام فى منتصف الشهر الكريم،
وهو يستمهل مروره السريع على العباد، ويتساءل متبتلا
هل ستستمر به الحياة ليشهد مولد هلاله الجديد فى العام القادم، حيث يقول :
أفسحوا لى مجالسَ النسكِ إنى ….. لمشوقٌ لمجلسِ القرآنِ
هيئوا لى منارة أحتفى بالـ ………..فجر فيها مجلجلا بالأذانِ
أنا يا شهرنا الكريمُ وفـىٌّ……… أنا باقٍ على هوى رمضانِ
لهفَ نفسى عليك آذنت بالهجــ …ر وولى من عمرك الثلثانِ
وستأتى بعد النوى ثم تأتى………… يا ترى هل لنا لقاءٌ ثانِ ؟
أما قصيدته الثالثة فقد كتبها فى أعقاب رمضان وفور ظهور هلال العيد، وقد شرح حمام بوعى شديد
فى النص السابق أثر الزكاة ودورها الفعال فى التكافل وتحقيق السلام الاجتماعى حيث يقول :
مضى رمضانُ محمودا كريما…….. وهلَّ العيدُ مبتسما وسيما
كذا الإسلامُ خيرٌ بعدَ خيـرٍ………… ألا أكرمْ به دينا رحيما
ولو أنََّا بما أوصى أخذنا………… ولم نتوقَّ منهجه الحكيما
لكان العيدُ فرحةَ كلِّ حىٍّ ………فلا محرومَ فيه ولا هَضِيما
إذا نهرُ الزكاةِ جرى وجارى…….. من الصدقاتِ هتَّانا عميما
جعلنا ذلةَ المسكينِ عزا …………وعوضنا عن اليُتْمِ اليتيما
قصيدة للشاعر الكبير :
محمد مصطفى حمام
:: علمتني الحياة :: .. وهي من عيون الشعر العربي ..
يتبين فيها عاطفة الشاعر وصدق عباراته .. ودقة حكمته .. ووضوح بيانه ..
علمتني الحياة
عـلَّـمـتـنـي الحياةُ أن أتلقّى*** كـلَّ ألـوانـهـا رضـاً وقبولا
ورأيـتُ الـرِّضـا يـخفِّف أثقا***لـي ويُـلقي على المآسي سُدولا
والـذي أُلـهـم الـرِّضا لا تراهُ***أبـدَ الـدهـر حـاسداً أو عَذولا
أنـا راضٍ بـكـل مـا كتب الله***ومُـزْجٍ إلـيـه حَـمْـداً جَزيلا
أنـا راضٍ بـكل صِنفٍ من النا***سِ لـئـيـمـاً ألـفيتُه أو نبيلا
لـسـتُ أخـشـى من اللئيم أذاه***لا، ولـن أسـألَ الـنـبيلَ فتيلا
فـسـح الله فـي فـؤادي فلا أر***ضـى مـن الحبِّ والوداد بديلا
فـي فـؤادي لـكل ضيف مكان***فـكُـنِ الـضيفَ مؤنساً أوثقيلا
ضلَّ من يحسب الرضا عن هَوان***أو يـراه عـلـى الـنِّفاق دليلا
فـالـرضا نعمةٌ من الله لم يسـ***ـعـد بـهـا في العباد إلا القليلا
والـرضـا آيـةُ البراءة والإيـ***ـمـان بالله نـاصـراً ووكـيلا
* * *
عـلـمـتني الحياةُ أنَّ لها طعـ***ـمَـيـن، مُـراً، وسائغاً معسولا
فـتـعـوَّدتُ حـالَـتَـيْها قريراً***وألـفـتُ الـتـغـيير والتبديلا
أيـهـا الـناس كلُّنا شاربُ الكأ***سَـيـن إنْ عـلقماً وإنْ سلسبيلا
نـحـن كالرّوض نُضْرة وذُبولا***نـحـن كـالـنَّجم مَطلعَاً وأُفولا
نـحـن كـالـريح ثورة وسكوناً***نـحـن كالمُزن مُمسكاً وهطولا
نـحـن كـالـظنِّ صادقاً وكذوباً***نـحـن كـالحظِّ منصفاً وخذولا
* * *
قـد تـسـرِّي الحياةُ عني فتبدي***سـخـريـاتِ الورى قَبيلاً قَبيلا
فـأراهـا مـواعـظـاً ودروساً***ويـراهـا سـواي خَـطْباً جليلا
أمـعـن الناس في مخادعة النّفـ***ـسِ وضـلُّـوا بصائراً وعقولا
عـبـدوا الـجاه والنُّضار وعَيناً***مـن عـيـون المَهَا وخدّاً أسيلا
الأديـب الـضـعيف جاهاً ومالاً***لـيـس إلا مـثـرثـراً مخبولا
والـعـتـلُّ الـقويُّ جاهاً ومالاً***هـو أهـدى هُـدَى وأقـومُ قيلا
وإذا غـادة تـجـلّـت عـليهم***خـشـعـوا أو تـبـتّلوا تبتيلا
وتَـلـوا سـورة الـهـيام وغنّو***هـا وعـافـوا القرآن والإنجيلا
لا يـريـدون آجلاً من ثواب الله***إنَّ الإنـسـان كـان عـجـولا
فـتـنـة عـمّـت المدينة والقر***يـةَ لـم تَـعْـفِ فتية أو كهولا
وإذا مـا انـبـريتَ للوعظ قالوا***لـسـتَ ربـاً ولا بُعثتَ رسولا
أرأيـت الـذي يـكـذِّب بـالد***يـن ولا يـرهب الحساب الثقيلا
* * *
أكـثـرُ الناس يحكمون على النا***س وهـيـهات أن يكونوا عدولا
فـلـكـم لـقَّـبوا البخيل كريماً***ولـكـم لـقَّـبـوا الكريم بخيلا
ولـكـم أعـطَـوا الملحَّ فأغنَوا***ولـكـم أهملوا العفيفَ الخجولا
ربَّ عـذراء حـرّة iiوصـموها***وبـغـيٍّ قـد صـوّروها بتولا
وقـطـيـعِ الـيدين ظلماً ولصٍ***أشـبـع الـنـاس كـفَّه تقبيلا
وسـجـيـنٍ صَـبُّوا عليه نكالاً***وسـجـيـنٍ مـدلّـلٍ تـدلـيلا
جُـلُّ مـن قـلَّـد الـفرنجة منا***قـد أسـاء الـتـقـليد والتمثيلا
فـأخـذنـا الخبيث منهم ولم نق***بـسِ مـن الـطـيّبات إلا قليلا
يـوم سـنَّ الـفرنج كذبةَ إبريـ***ـلَ غـدا كـل عُـمْـرنا إبريلا
نـشـروا الرجس مجملاً فنشرنا***هُ كـتـابـاً مـفـصَّلاً تفصيلا
* * *
عـلـمتني الحياة أنَّ الهوى سَيْـ***ـلٌ فـمـن ذا الذي يردُّ السيولا
ثـم قالت: والخير في الكون باقٍ***بـل أرى الخيرَ فيه أصلاً أصيلا
إنْ تـرَ الـشـرَ مستفيضاً فهوِّن***لا يـحـبُّ الله الـيئوس الملولا
ويـطول الصراع بين النقيضَيـ***ـنِ ويَـطوي الزمانُ جيلاً فجيلا
وتـظـلُّ الأيـام تعرض لونَيْـ***هـا عـلى الناس بُكرةً وأصيلا
فـذلـيـلٌ بالأمس صار عزيزاً***وعـزيـزٌ بـالأمس صار ذليلا
ولـقـد يـنـهض العليلُ سليماً***ولـقـد يـسـقـطُ السليمُ عليلا
ربَّ جَوعانَ يشتهي فسحة العمـ**ـرِ وشـبـعانَ يستحثُّ الرحيلا
وتـظـلُّ الأرحـامُ تـدفع قابيـ***لاً فـيُـردي بـبـغـيـه هابيلا
ونـشـيـد الـسـلام يتلوه سفّا***حـون سَـنُّوا الخراب والتقتيلا
وحـقـوق الإنـسان لوحة رسّا***مٍ أجـاد الـتـزويـر والتضليلا
صـورٌ مـا سرحتُ بالعين فيها***وبـفـكـري إلا خشيتُ الذهولا
* * *
قال صحبي: نراك تشكو جروحاً***أيـن لـحن الرضا رخيماً جميلا
قـلـت أما جروح نفسي فقد عوَّ***دْتُـهـا بَـلـسَـمَ الرضا لتزولا
غيرَ أنَّ السكوتَ عن جرح قومي***لـيـس إلا الـتقاعسَ المرذولا
لـسـتُ أرضـى لأمـة أنبتتني***خُـلُـقـاً شـائـهاً وقَدْراً ضئيلا
لـسـتُ أرضى تحاسداً أو شقاقاً***لـسـتُ أرضى تخاذلاً أو خمولا
أنـا أبـغي لها الكرامة والمجـ***ـدَ وسـيـفـاً على العدا مسلولا
عـلـمـتني الحياة أني إن عشـ***ـتُ لـنفسي أعِشْ حقيراً هزيلا
عـلـمـتـنـي الحياةُ أنيَ مهما ***أتـعـلَّـمْ فـلا أزالُ جَهولا
أُلقيت في المركز العام للشبان المسلمين، وفرغ الشاعر من إنشادها، ثم أجهش بالبكاء
هنا مقطع الفيديو بإلقاء جميل
الشاعر محمد مصطفى حمام واحد من الشخصيات النادرة التى ظهرت فى الساحة الأدبية المصرية فى أوائل القرن الماضى،
فهو من مواليد 18 أغسطس 1906 وتوفى فى 23 مارس 1964،
ولقد كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد يستدنيه من مجلسه ويقول :
هذا كتاب من الشعر والأدب والفكاهة والفن، لا يجد الناس منه إلا نسخة واحدة .
وقد قال عنه العوضى الوكيل: الندوة التى يحضرها حمام يملأ زمنها كله،
ولا يكاد يترك لغيره فرصة للحديث، والناس يعجبون لرجل يروى الأشعار لكل شاعر ومن كل عصر،
والطُرَف والنوادر والفكاهات من كل زمان ومن كل مكان، ويتحدث فى النحو فإذا هو سيد الموقف،
يجلو دقائقه ويحقق حقائقه، وإذا انتقل الحديث إلى القرآن والحديث كان حاضر الجواب جميل الخطاب،
مع أنه لم يدخل الأزهر ولم يختلف إلى مدرسة من مدارس الدين.
فقد بدأ حمام تعليمه فى مدرسة فارسكور الابتدائية،
وتروى ابنته عزيزة أن السلطان حسين كامل قد زار فارسكور وألقى حمام قصيدة ترحيب به أثناء زيارته للمدرسة،
وكان فى ذلك الوقت تلميذا بالصف الثالث الابتدائى، فأهداه ساعة ذهبية فاخرة نُقِشَ عليها الإهداء وتاريخه،
وتولى السلطان حسين كامل الإنفاق عليه فى مراحل التعليم،
واستمر الأمر كذلك فى عهد فؤاد الأول حتى قامت ثورة 1919،
وقد كان الأزهريون يحملون حمام على أيديهم ليهتف لهم، فحرمه السلطان من الرعاية،
لكن حمام قد تمسك بمساندة الثورة وبدأ العمل بالصحافة والأدب وهو فى سن الثالثة عشرة لينفق على نفسه.
وقد حصل حمام فى نهاية المطاف على شهادة البكالوريا،
واستطاع أن يحصل بها على وظيفة وفرت له قدرا يسيرا من الرزق الذى كان راضيا قانعا به على الرغم من بؤسه وشقائه.
ويَرْوِى حمام أنه قد احتاج إلى خمسة جنيهات، فأخذ يطوف بالأصدقاء والأدباء يوما كاملا حتى تمكن من اقتراضها،
وحين مضى بها ذاهبا إلى بيته أمسك بها بين يديه وهو يعبر كوبرى قصر النيل فأطارتها الريح من يده إلى النهر،
ووقف حمام ينظر مبهوتا وحوله طائفة من الناس تتأمل هذا المشهد العجيب.
وقد كان حمام صاحب موهبة شعرية خاصة، ويمكن أن تقول إن شعره كله يدخل فى دائرة الارتجال،
لأن القصيدة الطويلة كانت لا تأخذ كتابتها منه أكثر من ساعة واحدة من الزمن،
ثم تبقى لديه كما هى دون تعديل أو تبديل إلا النزر اليسير النادر.
والإسلاميات لها نصيب كبير من شعر حمام، وسوف نعرض له ثلاثة نماذج شعرية متعلقة بشهر رمضان،
أولها كتبه حمام فى بداية الشهر الكريم مُرَحِّبا به، ومُذَكِّرا بأن رمضان شهر صيام لا شهر طعام، حيث يقول :
أَعْظِم بشهر الصوم من فرحـة…… للصائمين الصادقين الكــرام
الجاعلين الشهر عيدا لهم …………يصفو به الحب ويفنى الخصام
المستحبين وإن أرهقوا………….. إيتاء ذى القربى ورعى الذمام
لا هنأ الله به مفطرا……………….. ولا جزى الآثام إلا الأثـام
ولا أرتضى صوما لذى غفلة…… يجعل شهرَ الجوع شهرَ الطعام
يَفْتَنُّ فى ألوانه ممعنا ………..فى الأكل حتى لا يطيقُ الكلام !
يودُّ لو صارَ الضحى مغربا……… ويكره النورَ ويهوى الظلام !
وقد يُذيبُ اليوم فى غفوة………. ويتوقى الصومَ بطِيبِ المنام
أما قصيدته الثانية فقد كتبها حمام فى منتصف الشهر الكريم،
وهو يستمهل مروره السريع على العباد، ويتساءل متبتلا
هل ستستمر به الحياة ليشهد مولد هلاله الجديد فى العام القادم، حيث يقول :
أفسحوا لى مجالسَ النسكِ إنى ….. لمشوقٌ لمجلسِ القرآنِ
هيئوا لى منارة أحتفى بالـ ………..فجر فيها مجلجلا بالأذانِ
أنا يا شهرنا الكريمُ وفـىٌّ……… أنا باقٍ على هوى رمضانِ
لهفَ نفسى عليك آذنت بالهجــ …ر وولى من عمرك الثلثانِ
وستأتى بعد النوى ثم تأتى………… يا ترى هل لنا لقاءٌ ثانِ ؟
أما قصيدته الثالثة فقد كتبها فى أعقاب رمضان وفور ظهور هلال العيد، وقد شرح حمام بوعى شديد
فى النص السابق أثر الزكاة ودورها الفعال فى التكافل وتحقيق السلام الاجتماعى حيث يقول :
مضى رمضانُ محمودا كريما…….. وهلَّ العيدُ مبتسما وسيما
كذا الإسلامُ خيرٌ بعدَ خيـرٍ………… ألا أكرمْ به دينا رحيما
ولو أنََّا بما أوصى أخذنا………… ولم نتوقَّ منهجه الحكيما
لكان العيدُ فرحةَ كلِّ حىٍّ ………فلا محرومَ فيه ولا هَضِيما
إذا نهرُ الزكاةِ جرى وجارى…….. من الصدقاتِ هتَّانا عميما
جعلنا ذلةَ المسكينِ عزا …………وعوضنا عن اليُتْمِ اليتيما
قصيدة للشاعر الكبير :
محمد مصطفى حمام
:: علمتني الحياة :: .. وهي من عيون الشعر العربي ..
يتبين فيها عاطفة الشاعر وصدق عباراته .. ودقة حكمته .. ووضوح بيانه ..
علمتني الحياة
عـلَّـمـتـنـي الحياةُ أن أتلقّى*** كـلَّ ألـوانـهـا رضـاً وقبولا
ورأيـتُ الـرِّضـا يـخفِّف أثقا***لـي ويُـلقي على المآسي سُدولا
والـذي أُلـهـم الـرِّضا لا تراهُ***أبـدَ الـدهـر حـاسداً أو عَذولا
أنـا راضٍ بـكـل مـا كتب الله***ومُـزْجٍ إلـيـه حَـمْـداً جَزيلا
أنـا راضٍ بـكل صِنفٍ من النا***سِ لـئـيـمـاً ألـفيتُه أو نبيلا
لـسـتُ أخـشـى من اللئيم أذاه***لا، ولـن أسـألَ الـنـبيلَ فتيلا
فـسـح الله فـي فـؤادي فلا أر***ضـى مـن الحبِّ والوداد بديلا
فـي فـؤادي لـكل ضيف مكان***فـكُـنِ الـضيفَ مؤنساً أوثقيلا
ضلَّ من يحسب الرضا عن هَوان***أو يـراه عـلـى الـنِّفاق دليلا
فـالـرضا نعمةٌ من الله لم يسـ***ـعـد بـهـا في العباد إلا القليلا
والـرضـا آيـةُ البراءة والإيـ***ـمـان بالله نـاصـراً ووكـيلا
* * *
عـلـمـتني الحياةُ أنَّ لها طعـ***ـمَـيـن، مُـراً، وسائغاً معسولا
فـتـعـوَّدتُ حـالَـتَـيْها قريراً***وألـفـتُ الـتـغـيير والتبديلا
أيـهـا الـناس كلُّنا شاربُ الكأ***سَـيـن إنْ عـلقماً وإنْ سلسبيلا
نـحـن كالرّوض نُضْرة وذُبولا***نـحـن كـالـنَّجم مَطلعَاً وأُفولا
نـحـن كـالـريح ثورة وسكوناً***نـحـن كالمُزن مُمسكاً وهطولا
نـحـن كـالـظنِّ صادقاً وكذوباً***نـحـن كـالحظِّ منصفاً وخذولا
* * *
قـد تـسـرِّي الحياةُ عني فتبدي***سـخـريـاتِ الورى قَبيلاً قَبيلا
فـأراهـا مـواعـظـاً ودروساً***ويـراهـا سـواي خَـطْباً جليلا
أمـعـن الناس في مخادعة النّفـ***ـسِ وضـلُّـوا بصائراً وعقولا
عـبـدوا الـجاه والنُّضار وعَيناً***مـن عـيـون المَهَا وخدّاً أسيلا
الأديـب الـضـعيف جاهاً ومالاً***لـيـس إلا مـثـرثـراً مخبولا
والـعـتـلُّ الـقويُّ جاهاً ومالاً***هـو أهـدى هُـدَى وأقـومُ قيلا
وإذا غـادة تـجـلّـت عـليهم***خـشـعـوا أو تـبـتّلوا تبتيلا
وتَـلـوا سـورة الـهـيام وغنّو***هـا وعـافـوا القرآن والإنجيلا
لا يـريـدون آجلاً من ثواب الله***إنَّ الإنـسـان كـان عـجـولا
فـتـنـة عـمّـت المدينة والقر***يـةَ لـم تَـعْـفِ فتية أو كهولا
وإذا مـا انـبـريتَ للوعظ قالوا***لـسـتَ ربـاً ولا بُعثتَ رسولا
أرأيـت الـذي يـكـذِّب بـالد***يـن ولا يـرهب الحساب الثقيلا
* * *
أكـثـرُ الناس يحكمون على النا***س وهـيـهات أن يكونوا عدولا
فـلـكـم لـقَّـبوا البخيل كريماً***ولـكـم لـقَّـبـوا الكريم بخيلا
ولـكـم أعـطَـوا الملحَّ فأغنَوا***ولـكـم أهملوا العفيفَ الخجولا
ربَّ عـذراء حـرّة iiوصـموها***وبـغـيٍّ قـد صـوّروها بتولا
وقـطـيـعِ الـيدين ظلماً ولصٍ***أشـبـع الـنـاس كـفَّه تقبيلا
وسـجـيـنٍ صَـبُّوا عليه نكالاً***وسـجـيـنٍ مـدلّـلٍ تـدلـيلا
جُـلُّ مـن قـلَّـد الـفرنجة منا***قـد أسـاء الـتـقـليد والتمثيلا
فـأخـذنـا الخبيث منهم ولم نق***بـسِ مـن الـطـيّبات إلا قليلا
يـوم سـنَّ الـفرنج كذبةَ إبريـ***ـلَ غـدا كـل عُـمْـرنا إبريلا
نـشـروا الرجس مجملاً فنشرنا***هُ كـتـابـاً مـفـصَّلاً تفصيلا
* * *
عـلـمتني الحياة أنَّ الهوى سَيْـ***ـلٌ فـمـن ذا الذي يردُّ السيولا
ثـم قالت: والخير في الكون باقٍ***بـل أرى الخيرَ فيه أصلاً أصيلا
إنْ تـرَ الـشـرَ مستفيضاً فهوِّن***لا يـحـبُّ الله الـيئوس الملولا
ويـطول الصراع بين النقيضَيـ***ـنِ ويَـطوي الزمانُ جيلاً فجيلا
وتـظـلُّ الأيـام تعرض لونَيْـ***هـا عـلى الناس بُكرةً وأصيلا
فـذلـيـلٌ بالأمس صار عزيزاً***وعـزيـزٌ بـالأمس صار ذليلا
ولـقـد يـنـهض العليلُ سليماً***ولـقـد يـسـقـطُ السليمُ عليلا
ربَّ جَوعانَ يشتهي فسحة العمـ**ـرِ وشـبـعانَ يستحثُّ الرحيلا
وتـظـلُّ الأرحـامُ تـدفع قابيـ***لاً فـيُـردي بـبـغـيـه هابيلا
ونـشـيـد الـسـلام يتلوه سفّا***حـون سَـنُّوا الخراب والتقتيلا
وحـقـوق الإنـسان لوحة رسّا***مٍ أجـاد الـتـزويـر والتضليلا
صـورٌ مـا سرحتُ بالعين فيها***وبـفـكـري إلا خشيتُ الذهولا
* * *
قال صحبي: نراك تشكو جروحاً***أيـن لـحن الرضا رخيماً جميلا
قـلـت أما جروح نفسي فقد عوَّ***دْتُـهـا بَـلـسَـمَ الرضا لتزولا
غيرَ أنَّ السكوتَ عن جرح قومي***لـيـس إلا الـتقاعسَ المرذولا
لـسـتُ أرضـى لأمـة أنبتتني***خُـلُـقـاً شـائـهاً وقَدْراً ضئيلا
لـسـتُ أرضى تحاسداً أو شقاقاً***لـسـتُ أرضى تخاذلاً أو خمولا
أنـا أبـغي لها الكرامة والمجـ***ـدَ وسـيـفـاً على العدا مسلولا
عـلـمـتني الحياة أني إن عشـ***ـتُ لـنفسي أعِشْ حقيراً هزيلا
عـلـمـتـنـي الحياةُ أنيَ مهما ***أتـعـلَّـمْ فـلا أزالُ جَهولا
أُلقيت في المركز العام للشبان المسلمين، وفرغ الشاعر من إنشادها، ثم أجهش بالبكاء
هنا مقطع الفيديو بإلقاء جميل